فصل: ثانيا: خصائص التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.أولا: خصائص التفسير:

1- أكثر استعمال التفسير في الألفاظ والمفردات.
2- مهمة التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا.
3- غاية التفسير كشف معاني القرآن وبيان المراد منه.
4- يعتبر في التفسير الاتباع والسماع.
5- التفسير يتعلق بالرواية.
وهذه الخصائص تجعل مهمة المفسر محددة ومنضبطة، فلا يملك أن يخرج عن حدود مهمته، سواء من حيث ارتباطه بالاتباع والسماع أو من حيث وقوفه عند حدود بيان معاني الألفاظ والمفردات، وظاهر هذا التقييد يفيد أن المهمة البيانية للمفسر لا تؤهله لدور الاستنباط الذي يتطلب جهدا يتجاوز حدود البيان، والاستنباط هو غاية المفسر، وبخاصة فيما يتعلق بآيات الأحكام.

.ثانيا: خصائص التأويل:

1- موطن التأويل في المعاني والجمل.
2- غاية التأويل تفسير باطن اللفظ وإخبار عن حقيقة المراد.
3- التأويل يعتمد على الترجيح ولا مجال للقطع فيه.
4- التأويل يتعلق بالدراية.
وهذه الخصائص تجعل التأويل مرحلة متقدمة في التفسير ولا يستغنى عنه، لأنه يتعلق بالمعاني والجمل، ولأنه يكشف عن حقيقة المراد، وهذا الاختلاف في تعريف كل من التفسير والتأويل يؤكد غموض المعنى المراد بالتأويل، والحرص على أن يظل كل من التفسير والتأويل ملازما للآخر ومتتمما دوره في بيان المعاني الغامضة وكشف النقاب عن المراد.
وبالرغم من وضوح الخصائص لكل من التفسير والتأويل، فإن التداخل بين اللفظين واضح، ومن الصعب وضع معيار دقيق يحدد مواطن التفسير والتأويل، وما يعتبر من التفسير وما يعتبر من التأويل.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع طائفة من العلماء إلى القول بأن كلا من التفسير والتأويل يدلان على معنى واحد.
ومع هذا، فإن السليقة العربية التي تعتبر حجة في دلالات الألفاظ والاستعمالات اللغوية لتلك الألفاظ، ومواطن وكيفيات استعمال القرآن للفظة التأويل تجعلنا نقف أمام لفظة التأويل مستوحين منها معاني ودلالات ليست هي نفس الدلالات المستوحاة من لفظة التفسير، فالمعنى البياني واضح في لفظة التفسير، وليس الأمر كذلك فيما تدل عليه كلمة التأويل، فالتأويل أدق وأعمق، ويحتاج لموهبة خاصة وقدرة متميزة، وإذا كان العقل هو أداة المفسر واللغة هي وسيلته، فإن القلب هو أداة التأويل وهو أداة الفهم، وهو موطن النقاء والصفاء في الإنسان، وليس المراد بالقلب ذلك الجزء النابض بالحياة، وإنما المراد به الخصوصية الإنسانية التي أناط بها الله تعالى مهمة الفقه والفهم، فإذا ختم الله على قلب الإنسان أصبح عاجزا عن الفهم، وعن إدراك المراد، والقلب المعمر بالتقوى والصلاح، يملك من أدوات الفهم وإمكاناته ما لا يملكه القلب الغافل المثقل بالأوساخ والحجب والستائر التي تحجب القلب عن إدراك الحقائق، فيدرك منها ما لا ينفعه ولا يضره، وقد يقوده عقله المحجوب بالغفلة إلى ضلال في الفهم وسقم في التأويل، فلا يحسن الفهم، ولا تستقيم رؤيته.
وليست هناك في موطن التفسير والتأويل ألفاظ ومعاني ينفصل بعضها عن البعض الآخر، بحيث يختص التفسير بألفاظها والتأويل بمعانيها، وإنما هناك أدوات للفهم، ووسائل للتعبير وهي ضرورية للفهم، فإذا استوعب المفسر كل أدوات التفسير الضرورية كمعرفة معاني المفردات وكل ما يحيط بالنص المراد تفسيره من بيان وتوضيح أدرك بخصوصيته الإنسانية النقية الصافية (حقيقة المراد) واستقرت في نفسه بطريقة تلقائية غير متكلفة وبانت له واضحة متيقنة وكأنه يراها بحواسه.
واستعمل القرآن الكريم لفظة (القلب) كثيرا، والقلب في القرآن ليس هو القلب الصنوبري النابض، وإنما هو الخصوصية الإنسانية. فالقلب هو موطن الإنابة وموطن الذكرى وموطن الإثم وموطن الاطمئنان وموطن الهداية وموطن الغفلة وموطن المرض وموطن الختم وموطن الرعب وموطن الفقه، وموطن الزيغ وموطن الاشمئزاز وموطن الرحمة وموطن القسوة وموطن التآلف وموطن الطهر، وكرر القرآن استعمال لفظة المرض في معرض وصفه للقلوب الغافلة القاسية، وعند ما يطبع الله على قلوب بعض الناس فإنهم لا يفقهون.
ولهذا فالتفسير يتطلب من المفسر نقاء في القلب لكي يدرك حقيقة المراد من معاني الألفاظ، فالألفاظ أدوات للتعبير والإنسان هو المخاطب، ولكي يدرك الإنسان فحوى الخطاب، فلابد من أن تكون أداة الفهم نقية صافية لم تشوهها توجهات سابقة وتنحرف بها، ولم تحجبها حجب عن إدراك المعاني المقصودة.
وتظل كلمة التأويل خاضعة للتفسير والبيان، لتحديد ما المراد بالتأويل، فبعض العلماء ذهب إلى أن التفسير مختص بالرواية والتأويل مختص بالدراية.
ولا أظن أن هذا الأمر يخضع لهذا المعيار، إذ لا يمكننا اعتبار التفسير قاصرا على الرواية وخاليا من الدراية، فهذا معنى يحمل بعض الانتقاص من مكانة العلماء الذين عرفوا بالتفسير، ولعل المعنى الأقرب في هذا المجال أن التفسير جهد خاضع لمعايير بيانية، ولابد في التفسير من رواية ودراية، وإذا خلا التفسير من الدراية، فقد خلا من قيمته البيانية والتوضيحية، وإذا كانت الرواية كافية في مجال التفسير بالمأثور، فإن التفسير بالرأي لابد فيه من دراية واسعة، ولا يحسن هذا النوع من التفسير إلا من أوتي سعة من علم ومعرفة.
وتختلف معاني التأويل بحسب موقع اللفظة في الجملة، فأحيانا تفيد معنى التفسير، وتكون مرادفة لها، وأحيانا تفيد معنى مغايرا للتفسير، بحيث يكون التأويل فيما يخرج عن نطاق مهمة التفسير، بسبب غموض المعاني وعدم وضوحها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا التي لا تخضع للمقاييس العقلية، ولا تقدم الألفاظ في معانيها اللغوية ما يفيد في كشف الخفاء عن المراد، ويكون التأويل هنا هو بذل جهد متميز في استكشاف المراد، ويحتاج هذا الجهد إلى كفاءة علمية وقدرة ذاتية، وموهبة متميزة وحكمة مكتسبة.
ومن الطبيعي أن يقع الاختلاف في حكم التأويل واتجاهاته، وبخاصة إذا لم يلتزم المتصدي للتأويل بالضوابط اللغوية والشرعية، وعندئذ يكون التأويل مطية للانحراف والزلل، ولذلك يجب وضع ضوابط دقيقة، لكي يكون التأويل سليم الاتجاه مقبول المعاني، وأهم هذه الضوابط أن يكون منسجما مع قواعد الإسلام ومبادئ العقيدة.

.أهم ضوابط التأويل:

وأهم ضوابط التأويل ما يلي:
أولا: أن يكون المعنى مما يمكن استنباطه من النص، ومما تدل عليه اللغة من دلالات ومعاني، والتأويل الذي لا تفيده اللغة لا يمكن الاعتداد به وقبوله، لأنه لا سند له من اللغة، وكيف يستنبط معنى من لفظ لا يدل عليه ولا يفيده، ومن حقنا أن نطرح على صاحب التأويل سؤالا يبين لنا فيه وجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، ولابد له من دليل حسي على ذلك، ولو وقع التسامح في هذا الشرط لأدى ذلك إلى انحراف مؤكد.
ثانيا: أن يكون المؤول عالما باللغة عارفا قواعدها ملما بمعاني الألفاظ، مستوعبا ما قاله العرب في معانيها ودلالاتها، لأن التأويل سواء اتفق في دلالته مع التفسير أو اختلف معه، لا يمكن أن يكون بمعزل عن المعاني المستفادة من الألفاظ، ولا يمكن للتأويل أن يكون مجرد عبث، ولو سلمنا بوضوح معنى الإلهام في التأويل، فهذا الإلهام يعبر عن قدرة المؤول في توجيه الألفاظ القرآنية نحو معاني خفية ليست مدركة لدى المفسر، ويمكن إدراكها بقوة التأويل ودقة صاحبه، بحيث يلتفت الذهن إلى أهمية المعنى المستنبط من تلك الألفاظ.
ثالثا: استقامة المؤول وسلامة عقيدته، وهذا الضابط غايته ضبط حركة الفكر لكي تكون صحيحة المنطلق صادقة التعبير عن رؤية فكرية، نزيهة في تجسيدها لقدرات الإنسان على استلهام معان دقيقة يعجز عنها المفسر الذي يتوقف غالبا عند حدود المعاني المتبادرة إلى الذهن الواضحة الدلالة.
رابعا: أن يكون الحكم المستنبط عن طريق التأويل واضح الانسجام مع التصور القرآني العام في إقراره لمبادئ الإسلام وعقيدته وأن يكون مؤكدا لقيم إسلامية ثابتة، داعيا إلى ترسيخ معاني العقيدة في النفوس، فإذا كان التأويل مناقضا لعقيدة الإسلام ناسخا لأحكام ثابتة في القرآن، مشوها مبادئ الفطرة الإسلامية مشجعا نمو عقائد منحرفة فهذا تأويل واضح البطلان لأمرين:
الأمر الأول: آثاره الضارة على الفكر الإسلامي، وإثارته للفتنة، ودعوته إلى فساد العقيدة.
الأمر الثاني: عدم استناده إلى دليل من لغة أو سند من قرآن أو حديث، وإذا افتقد التأويل سنده اللغوي والشرعي وثبت ضرره في مجال العقيدة، كان تأويلا فاسدا ووجبت مقاومته والتنبيه على فساده وخطره.
وإذا كنا تكلمنا عن خصائص التأويل، وأنه تفسير خفي وأنه يدخل في علم الدراية، وأن جانب الإلهام واضح فيه، فإن هذه الخصائص لا تنفي عنه صفة التأويل المرتبط بالنص، فإذا انتفت صلة التواصل والانتماء بين النص والتأويل انتفت شرعية ذلك التأويل، وأصبح من نوع العبث الدال على الجهل، ولو وقع إقرار هذا النوع من التأويل لتجرأ الجهلة على القرآن، وفسروا آياته تحت شعار التأويل بما شاءت لهم انحرافاتهم أن يقرروه، واختلط التأويل السليم الصحيح الذي يدل على عمق في الفهم ودقة في الإدراك بالتأويل الفاسد والسقيم الذي يدل على جهل صاحبه.
وهذه الضوابط ضرورية وهامة، ولا يجوز التساهل فيها، وإذا جاز لنا أن نقبل تأويل العلماء وأن نستفيد من آرائهم وتصوراتهم وأن نشجع حرية الرأي ونحترم قدسية الفكر فلا يجوز لنا أن نقبل الفكر السقيم ولا أن نسمح للجهال بأن يعبثوا بمعاني القرآن، إرضاء للعوام واستجابة للجهلة والمنحرفين.
قال أبو القاسم محمد بن حبيب النيسابوري:
وقد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل، ما اهتدوا إليه، لا يحسنون القرآن تلاوة، ولا يعرفون معنى السورة أو الآية، ما عندهم إلا التشنيع عند العوام، والتكثر عند الطغام، لنيل ما عندهم من الحطام، أعفوا أنفسهم من الكد والطلب وقلوبهم من الفكر والتعب، لاجتماع الجهال عليهم وازدحام ذوي الأغفال لديهم، لا يكفون الناس عند السؤال، ولا يأنفون عن مجالسة الجهال، مفتضحون عند السبر والزواق، زائغون عن العلماء عند التلاق.

.الفصل الخامس: ترجمة القرآن:

لا خلاف بين العلماء في أن الإعجاز القرآني يتمثل في أسلوب القرآن، ودقة ألفاظه، وذلك التوافق والانسجام بين اللفظ والمعنى المراد، بحيث يصور اللفظ المعاني أدق تصوير، بحيث تبرز عظمة القرآن في روعة ألفاظه وجمالها، وذلك التناسق العجيب بين اللفظ والمعنى، والتكامل والترابط بين الألفاظ، بحيث تكون اللفظة اللغوية معبرة أدق تعبير عن المعنى المراد، ولو وقع أي إبدال أو تغيير في الألفاظ المترادفة لاختلت المعاني واضطرب الأسلوب.
إن كل لفظة في القرآن تعبر عن الإعجاز وتمثل جانبا من جوانبه وتصور عظمة الأسلوب القرآني، ولا مجال لإبدال كلمة بأخرى أو لفظة بما يماثلها، إذ لكل لفظة موسيقاها الخاصة بها من حيث موقعها من الكلام، ومن حيث دقة تعبيرها عن المعنى المراد.
وإبدال لفظة بأخرى ولو كانت مماثلة للمعنى، تخل بالمعنى العام، وتوجد حالة من التوقف في ذلك النسق القرآني، وكأن الآية ليست هي الآية، وكأن المعنى ليس هو المعنى، فالقرآن وحدة متكاملة، من حيث ألفاظه ومعانيه ورسمه وأداؤه، ولو كتب بغير الرسم القرآني لما أدى نفس المشاعر التي يولدها الرسم القرآني في كيفية تعبيره عن الكلمات القرآنية.
ولا يتصور من الناحية العقلية أو الفعلية أن تقع ترجمة القرآن من اللغة العربية إلى لغة أخرى، فالترجمة جهد بشري، ويقع التفاوت فيه، من حيث اختيار المفردات، ولهذا تتعدد الترجمة وتتباين ألفاظها، ويختلف الحكم عليها من حيث الدقة والضبط. وإذا كان من العسير على المفسر في نطاق اللغة العربية أن يستبدل لفظة قرآنية بما يماثلها أو يفسرها بما يدل عليها، فإن من المستحيل على من يريد ترجمة القرآن أن يجد الكلمة المعبرة عن المعنى القرآني فضلا عن استحالة الحفاظ على روعة الألفاظ القرآنية التي تعتبر من مظاهر الإعجاز القرآني.
وكيف يمكن لمترجم أن يعبر عن الألفاظ المتشابهة الدالة على معان متعددة، وأي المعاني هي الأولى والأقرب...
وإذا ثبت من الناحية الواقعية استحالة ترجمة القرآن إلى أية لغة أخرى وجب علينا القول بأن أية ترجمة للقرآن لا تعتبر قرآنا، لأن هذه الترجمات لا تخلو أولا من أغلاط في الترجمة، وثانيا لا يمكن توحيدها، لأن تفسير المترجمين للألفاظ القرآنية ليس واحدا، وإذا أمكن توحيد تفسير تلك الألفاظ، فإن من الصعب اختيار الكلمات المعبرة والدالة على تلك المعاني.
وهنا نجد أنفسنا أمام حقائق أساسية:
أولا: ترجمة القرآن غير ممكنة، من الناحية اللغوية، لتعدد المعاني المحتملة للألفاظ، وهذا أمر لا مجال لإنكاره، ومن اليسير أن يدرك حقيقته كل من كابد مهمة الترجمة ووقف أمام الألفاظ حائرا مترددا لا يدري بأي المعاني يأخذ، وأي الألفاظ يختار.
ثانيا: كل ترجمة للقرآن لا يمكن أن تكون قرآنا، وإذا انتفت قرآنية النص المترجم انتفت معه كل خصوصيات النص القرآني المتعبد بتلاوته، ولا خيار لنا في هذه الحالة إلا أن ننظر للقرآن المترجم نظرتنا إلى كتب التفسير المختصرة من حيث هي مصادر للتوضيح والبيان، تيسر المعاني وتقربها إلى القراء، وتساعد على معرفة القرآن.
ثالثا: لو جازت ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، واعتبر النص المترجم قرآنا لتعددت نصوص القرآن وتكاثرت لغاته وتباينت معانيه، وضعف الاهتمام بالنص الأصلي المعجز الذي لا يأتيه الباطل، وفي هذا فتنة لا مجال لحصرها، وإذا أمكن التحكم في مسار القرآن المترجم على المدى القصير، فإن من الصعب التحكم في ذلك على المدى البعيد، وربما أصبحت النصوص المترجمة نصوصا أصلية تفسر ويترجم منها ويحتج بها، مما يؤدي إلى خطر محقق، وبخاصة إذا وقع التنافس بين الشعوب الإسلامية، واحتجت كل أمة بقرآنها الذي احتضنته وأمسكت به واعتزت بنصوصه، وهذا طريق محاط بالأشواك والأخطار، ومن الواجب تطويق الأخطار قبل أن يستفحل أمرها، وأن يمنع كل أمر يمكن أن يؤدي إلى خلاف وانقسام.
وهذا يؤكد لنا أن ترجمة القرآن ليست ممكنة من الناحية الواقعية، وكل ترجمة للقرآن لا تعتبر قرآنا، ولا يجوز أن يطلق عليها لفظ القرآن، إلا عن طريق المجاز.